الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
وقال أيضا: وقال آخر: وقيل: جاء كذلك لان القرين يقع للجماعة والاثنين.وقال المازني: قوله: {أَلْقِيا} يدل على ألق ألق.وقال المبرد: هي تثنية على التوكيد، المعنى ألق ألق فناب {أَلْقِيا} مناب التكرار. ويجوز أن يكون {أَلْقِيا} تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب به الملكين.وقيل: هو مخاطبة للسائق والحافظ.وقيل: إن الأصل ألقين بالنون الخفيفة تقلب في الوقف ألفا فحمل الوصل على الوقف. وقرأ الحسن {ألقين} بالنون الخفيفة نحو قوله: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} وقوله: {لَنَسْفَعاً}. {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}أي معاند، قاله مجاهد وعكرمة.وقال بعضهم: العنيد المعرض عن الحق، يقال عند يعند بالكسر عنودا أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند، وجمع العنيد عند مثل رغيف ورغف. {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} يعني الزكاة المفروضة وكل حق واجب. {مُعْتَدٍ} في منطقه وسيرته وأمره، ظالم. {مُرِيبٍ} شاك في التوحيد، قاله الحسن وقتادة. يقال: أراب الرجل فهو مريب إذا جاء بالريبة. وهو المشرك يدل عليه قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ}.وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة. وأراد بقوله: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أنه كان يمنع بني أخيه من الإسلام. {فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ} تأكيد للأمر الأول. {قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر العنيد تبرأ منه وكذبه. {وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق وكان طاغيا باختياره وإنما دعوته فاستجاب لي. وقرينه هنا هو شيطانه بغير اختلاف. حكاه المهدوي.وحكى الثعلبي قال ابن عباس ومقاتل: قرينه الملك، وذلك أن الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب سيئاته: رب إنه أعجلني، فيقول الملك: ربنا ما أطغيته أي ما أعجلته.وقال سعيد بن جبير: يقول الكافر رب إنه زاد علي في الكتابة، فيقول الملك: ربنا ما أطغيته أي ما زدت عليه في الكتابة، فحينئذ يقول الله تعالى: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يعني الكافرين وقرناءهم من الشياطين. قال القشيري: وهذا يدل على أن القرين الشيطان. {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أي أرسلت الرسل.وقيل: هذا خطاب لكل من اختصم.وقيل: هو للاثنين وجاء بلفظ الجمع. {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} قيل هو قوله: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} وقيل هو قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.وقال الفراء: ما يكذب عندي أي ما يزاد في القول ولا ينقص لعلمي بالغيب. {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} أي ما أنا بمعذب من لم يجرم، قاله ابن عباس. وقد مضى القول في معناه في الحج وغيرها.
وهذا تفسير مجاهد وغيره. أي هل في من مسلك قد امتلأت.وقيل: ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح. وهذا أصح على ما بيناه في سورة الفرقان.وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة» لفظ مسلم.وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة: «وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا». قال علماؤنا رحمهم الله: أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار. وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم، يقال: رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد، قال الشاعر: ويبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال: ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قط قط حسبنا حسبنا أي اكتفينا اكتفينا، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر. فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم، ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث: «ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة» وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله.وقال النضر بن شميل في معنى قوله عليه السلام: «حتى يضع الجبار فيها قدمه» أي من سبق في علمه أنه من أهل النار. قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي فربت منهم.وقيل: هذا قبل الدخول في الدنيا، أي قربت من قلوبهم حين قيل لهم اجتنبوا المعاصي.وقيل: بعد الدخول قربت لهم مواضعهم فيها فلا تبعد. {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي منهم وهذا تأكيد. {هذا ما تُوعَدُونَ} أي ويقال لهم هذا الجزاء الذي وعدتم في الدنيا على ألسنة الرسل. وقراءة العامة {تُوعَدُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ ابن كثير بالياء على الخبر، لأنه أتى بعد ذكر المتقين. {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أَوَّابٍ أي رجاع إلى الله عن المعاصي، ثم يرجع يذنب ثم يرجع، هكذا قاله الضحاك وغيره.وقال ابن عباس وعطاء: الأواب المسبح من قوله: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ}.وقال الحكم بن عتيبة: هو الذاكر لله تعالى في الخلوة.وقال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود.وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال: كنا نحدث أن الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا.وفي الحديث: «من قال إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر الله له ما كان في ذلك المجلس». وهكذا كان النبي صلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول.وقال بعض العلماء: أنا أحب أن أقول أستغفرك وأسألك التوبة، ولا أحب أن أقول وأتوب إليك إلا على حقيقته. قلت: هذا استحسان وأتباع الحديث أولى.وقال أبو بكر الوراق: هو المتوكل على الله في السراء والضراء.وقال القاسم: هو الذي لا يشتغل إلا بالله عز وجل. {حَفِيظٍ} قال ابن عباس: هو الذي حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها.وقال قتادة: حفيظ لما أستودعه الله من حقه ونعمته وأتمنه عليه. وعن ابن عباس أيضا: هو الحافظ لأمر الله. مجاهد: هو الحافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر. قال الضحاك: هو الحافظ لوصية الله تعالى بالقبول.وروى مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حافظ على أربع ركعات من أول النهار كان أوابا حفيظا» ذكره الماوردي. قوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} {مَنْ} في محل خفض على البدل من قوله: {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أوفي موضع الصفة ل {أَوَّابٍ}. ويجوز الرفع على الاستئناف، والخبر {ادْخُلُوها} على تقدير حذف جواب الشرط والتقدير فيقال لهم: {ادْخُلُوها}. والخشية بالغيب أن تخافه ولم تره.وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حين لا يراه أحد.وقال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب. {وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مقبل على الطاعة.وقيل: مخلص.وقال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه. قلت: ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب السليم، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} على ما تقدم، والله أعلم. {ادْخُلُوها} أي يقال لأهل هذه الصفات: {ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي بسلامة من العذاب.وقيل: بسلام من الله وملائكته عليهم.وقيل: بسلامة من زوال النعم. وقال: {ادْخُلُوها} وفي أول الكلام {مَنْ خَشِيَ}، لان {مَنْ} تكون بمعنى الجمع. قوله تعالى: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها} يعني ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم. {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} من النعم مما لم يخطر على بالهم.وقال أنس وجابر: المزيد النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف. وقد ورد ذلك في أخبار مرفوعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى} {وَزِيادَةٌ} قال: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.وذكر ابن المبارك ويحيى بن سلام، قالا: أخبرنا المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: تسارعوا إلى الجمعة فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب. قال ابن المبارك: على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا.وقال يحيى بن سلام: لمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا، وزاد: «فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك». قال يحيى: وسمعت غير المسعودي يزيد فيه قوله تعالى: {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ}.قلت: قوله: «في كثيب» يريد أهل الجنة، أي وهم على كثب، كما في مرسل الحسن، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن أهل الجنة ينظرون ربهم في كل يوم جمعة على كثيب من كافور» الحديث. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة.وقيل: إن المزيد ما يزوجون به من الحور العين، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعا.
|